ابو باسل عضـو مــبــدع
عدد الرسائل : 84 تاريخ التسجيل : 01/01/2009
| |
ابو باسل عضـو مــبــدع
عدد الرسائل : 84 تاريخ التسجيل : 01/01/2009
| موضوع: رد: العندليب والوردة.,. أوسكار وايلد السبت فبراير 21, 2009 9:50 am | |
| وعندما انتهت العندليب من الغناء، نهض الشاب وأخرج من جيبه دفتراً صغيرا وقلم رصاص، ثم أخذ يمشي في البستان ويكلم نفسه: "إن لهذه العندليب أسلوبا رائعا في الغناء لا يمكن إنكاره، إضافةً إلى صوتها الشجيّ. ولكنني أشك في أن لديها إحساس مثلنا. أعتقد أنها كباقي أرباب الفن، يملكون الأسلوب المتميز، ويفتقرون إلى الصدق في المشاعر؛ فهي لن تضحي بنفسها من أجل الآخرين. لا تفكّر إلا في الغناء والألحان، والجميع يعلم أن الفنانين أنانيون. ومع هذا، يجب أن أعترف بأن صوتها يحمل من الجمال الشيء الكثير. وإنه لمن دواعي الأسف أن لا يكون لهذا الصوت أي معنى أو فائدة تُرجى".
ثم عاد إلى غرفته واستلقى على سريره الصغير، وبدأ يفكر في حبيبته، ثم غاب في سباتٍ عميق. وعندما أضاء القمرُ السماء، طارت العندليب إلى شجرة الورد، وألصقت صدرها بشوكتها. أخذت العندليب تغني وتشدو طوال الليل، والشوكة تنفذ إلى صدرها، بينما استرخى القمر الهادئ في إصغاءٍ شديد لغناء العندليب. واستمرّت العندليب في الغناء بصوتها الشجي الذي خالطه مزيجٌ من الفرح والألم، والشوكةُ تتابع طريقها نحو قلبها حتى بدأت تنزف بشدة.
كان أول ما غنته العندليب أغنية عن ميلاد الحب في قلب صبي وفتاة. فبدأت الشجرة تُنبت وردةً رائعة الجمال، بتلة بعد بتلة، مع كل أغنيةٍ تتبع أغنية. كانت الوردة شاحبةً في بادئ الأمر، كالضباب الذي يعلو النهر، أو كلون السماء في أول الصبح، وكانت فضيةً كأجنحة الفجر. كانت كظلِ وردةٍ في مرآةٍ فضية، أو كظلِ وردةٍ في حوض ماء.
وفجأة، صاحت الشجرة في العندليب آمرةً إياها أن تدفع بصدرها بقوةٍ أكبر: " ادفعي بقوة أيتها العندليب الصغيرة، أو يطلع علينا الصباح قبل أن تكتمل الوردة ". فقامت العندليب بدفع صدرها نحو الشوكة أكثر فأكثر، وارتفع صوتها بالغناء أعلى وأعلى، منشدةً أغنيةً عن مولد الهيام والصبابة في روحَي رجلٍ وعذراء. وعندها ازداد تورّد الأوراق في الوردة، كتورّد وجه عريسٍ حين يقبّل شفتي عروسه. ولكن الشوكة لم تصل إلى قلب العندليب بعد، فبقي قلبُ الوردةِ أبيض. شيءٌ واحدٌ يستطيع أن يُغرق قلب الوردة بالحمرة. هو دم قلبِ العندليب. وصاحت الشجرة ثانيةً: " ادفعي بقوة أيتها العندليب الصغيرة، أو يطلع علينا الصباح قبل أن تكتمل الوردة ". لذا، دفعت العندليب صدرها نحو الشوكة بقوةٍ أكبر، حتى لامست قلبها، فأطلقت صيحة ألمٍ رهيبة لم يعهدها صوتها من قبل. كان الألم قاسياً أيما قسوة، فازداد صوت العندليب اهتياجاً في أغنيةٍ عن الحب الخالد الذي لا يقهره الموت، بل يوصله إلى درجة الكمال، فلا يتلاشى عند حافة القبر. وازداد احمرار الوردة الرائعة، فاحمرّ ما بين أوراقها، واحمرّ قلبها حتى أصبح كالياقوتة. أما صوت العندليب فازداد خفوتاً ووهناً، وبدأت العندليب تضرب بجناحيها. بعدها غطّت عينيها سحابةٌ رمادية، وأخذت أغنيتها تخفت أكثر فأكثر حتى أحسّت بغصّةٍ في حلقها. وبعد قليل انفجرت العندليب بالغناء لآخر مرة، فاستمع القمرُ إلى أغنيتها وبقيَ في مكانه في السماء حتى نسيَ موعد الفجر القريب. واستمعت الوردةُ الحمراء إلى أغنيتها، فارتعشت في نشوةٍ عارمة، ثم فتحت أوراقها لنسمات الصبح الباردة. وحمل الصدى أغنية العندليب إلى كهوفه الوردية عند التلال، فأيقظ الرعاة من أحلامهم. وشرعت الأغنية تعوم على امتداد النهر حتى أوصلها إلى البحر العظيم. صرخت الشجرة في حماس: " انظري، انظري، لقد اكتملت الوردة". ولكن العندليب لم تحرّك ساكناً ، ولم تجب. لقد فارقت الحياة والشوكة مغروسةٌ في قلبها.
عند الظهر، نهض التلميذ من نومه وفتح نافذة غرفته، فصاح في دهشة: " يا إلهي، يا لهذا الحظ الرائع!! ها هي وردةٌ حمراء. يا للروعة، لم أرَ مثلها في حياتي كلها. إنها جميلة جدا حتى أنني أكاد أجزم بأن لها اسماً علمياً طويلا". ثم انحنى نحو الشجرة وقطف الوردة. ارتدى قبعته وخرج مسرعاً يقصد منزل الأستاذ، يملؤه الشوق والابتهاج، حاملاً الوردة في يده. وكانت ابنة الأستاذ جالسةً عند مدخل البيت تلفّ خيطاً حريرياً أزرق على بكرة، بينما كان كلبها مستلقياً على قدميها. صاح التلميذ في حماسٍ شديد فور وصوله: " لقد قلتِ لي أنكِ سوف ترقصين معي إن أنا أحضرتُ لكِ وردةً حمراء. إنني أحمل معي الآن الوردة الأكثر حُمرةً في العالم. ستضعينها الليلة على فستانك قُرب قلبك، وبينما نحن نتراقص يا حبيبتي، ستحكي لكِ عن حبي وهيامي بك" . ولكن الفتاة قطبت حاجبيها وأجابت ببرود: " أخشى ألاّ تناسب الوردة لون ثوبي. وقد أرسل لي ابن أخ حاجب الملك بعض الجواهر، والجميع يعلم أن الجواهر ثمنها أغلى بكثير من الورود" . فصُعق ودارت به الأرض، ثم اشتعل غضباً فقال: " أتعلمين..أنتِ ناكرةٌ للجميل" . وقذف بالوردة على الطريق حتى وقعت قرب قناةٍ لمجاري المياه، ثم سحقها إطار عربةٍ وشتّت أوراقها. ثم صاحت الفتاة : " أأنا ناكرةٌ للجميل؟!. يا لك من فظ، ولكن قل لي، من تكون أنت؟ إنك مجرد تلميذ. لا أظن أنك تملك مشبكاً فضياً لحذائك مثل ابن أخ الحاجب" . ثم نهضت عن مقعدها ودلفت إلى داخل المنزل.
عاد التلميذ أدراجه إلى منزله، وأخذ يكلم نفسه ويقول: " ما أسخف الحب ! ، ليس له حتى نصف فائدة المنطق؛ فلا يدلّ الحب على شيء، وإنما يحدثك دوماً بأشياء لن تحدث، ويجعلك تصدق أشياءً لا تُصدق. في الحقيقة، هذا الحب غير واقعي أو عملي، وهذا الزمن هو زمن الواقع. لقد أضعتُ وقتي، وأعتقد أنه يجدر بي أن أعود إلى الفلسفة وأقرأ قليلاً في ما وراء الطبيعة". وهكذا عاد إلى غرفته وسحب من مكتبته كتاباً ضخماً يملؤه الغبار، وأخذ يقرأ.
| |
|
تركي المولد عــضــو مــبــدع جـــداً
عدد الرسائل : 258 تاريخ التسجيل : 18/10/2008
| موضوع: رد: العندليب والوردة.,. أوسكار وايلد السبت فبراير 21, 2009 11:11 am | |
| شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... موضوع مميز ومفيد . تــقبــل مـروري
| |
|
القاهر مشرف منــتدى الــتقنــي والــفــني
عدد الرسائل : 476 Personalized field : 0 تاريخ التسجيل : 10/05/2008
| موضوع: رد: العندليب والوردة.,. أوسكار وايلد الثلاثاء مارس 10, 2009 8:45 am | |
| شـكــ وبارك الله فيك ـــرا روايه تعبر عن ادب عالمي راقي
| |
|