الــجــيــل الــحــائــر أمـــام حــلــقــة مــفــرغــة .. .

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما نحاول تشخيص أي وسط وساحة كانت لدينا نتفق على أنّها تعاني من هبوط حاد وفشل في وظائفها ، لكننّا نتفق أننّا نختلف في سبب وعلة هذا الهبوط ، وعلى الأرجح فإنّ ماعليه رأي الجمهور موجه نحو متهم واحد وماهو إلا جزء من سلسلة علل كلّ أسهم فيها بمقدار ، وليس هناك تباين يستحق الوقوف عنده ، فهم أشبه بالمتساويين في القيمة ..

فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى الوسط الفنى ، نعلم علم اليقين أنّ الوسط سيئ للغاية وليس في المستوى المأمول منه ، واللوم غالباً مايلقى على عاتق الفنان سواءاً من عامة الناس أو من فئة المثقفين ثلة كبيرة منهم ذوي ألسنة حِدَاد تتضجر وتتسخط وذوي مِدَاد يتذمر وينتقد ، ولكن الحقّ أنّها وإن صدقت في مسؤولية الفنان عن بعض مايجري إلا إنّها لم تنصفه ولم تذكر بقية المشتركين في الجريمة الفنية معه وتجرّهم إلى قفص الاتهام والنقد والملام ، فالفنان طرف .. والجمهور طرف والجمهور الطرف الأقوى بنظري فعندما غيّب الفرد منهم عقله وأذعن واستكان ولحق بالركب مع الخيل ياشقراء ، ولم يعط الفرصة لذوقه تردى معهم في هاوية الذوق الفاسد ، وكلّ قوي يجرّ الضعيف إلى ذوقه والجماعة تجرّ الفرد والكبير يجرّ الصغير ، والإعلام الطرف الخبيث من القوة بمكان فسيّر جمهور غفيرا إلى الحضيض ، وضاع الجمهور الذي احتكم إلى الإعلام وفي الإعلام من هو متحيز أو إعلامي فاسد الذوق أو مجلة مادية الهدف أو قناة هابطة المحتوى ، ولاننسى الطرف الرابع وهو الناقد الفني الذي استراح إلى المجاملة عندما وجد أنّ صوته لايصل ولايرجع بالصدى فأصبح شريكاً معهم سواءاً برضاه أم بغير ذلك بحكم الظروف أم بحكم الألوف ...

وهكذا فإنّ الساحة لعلّتها أكثر من سبب الفنان والجمهور والإعلام والناقد ... ينتظمون في حلقة مفرغة يقف أمامها الجيل القادم حائراً كيف له أن يخترقها ليبدأ بعلاجها واحداً واحداً .. والحال لايقتصر على الوسط الفني ، فالوسط الشعري ليس ببعيد وإن كان أقل ولكن لاشكّ أنه يسير على ذات الخطى وكلّ سنة أسوأ من التي قبلها حتى أصبحنا نقول وبارتياح تام واطمئنان ، أنّ الشعراء ثلة من الأولين وقليلاً من الأخرين .

ومالدارما ببدع من الفنون لم يصبها ما أصاب الذين من قبلها ، فقد تردت هي الأخرى وفي هذا السنة وصل بها الحال ذروته ، ويكسب الإعلام فيها القدح المعلى من المسؤولية ، على أنّ النظرة ولاشكّ تختلف من شخص لآخر فمنهم من يراها متردية ونهم من يراها منتعشة ، ولكن على الأقل فإنّ النقاد المغلوب على أمرهم يكادون يجمعون على انحطاط الساحة بتفاهة ماقُدّم وسخافة كثيراً من الممثلين وفقرهم إلى ثقافة درامية حقيقية ، وخواء كثيراً من المسلسلات من الهدف الواضح والمعنى والرسالة أو حتى الترفيه البرئ .

وإذا تجاوزنا الساحات الفنية إلى مؤسسات المجتمع وماهو أهم وأولى بالنظر ، فلنأخذ مثلاً التعليم لدينا .. فإنّ نتاج تعليمنا العام والعالي من الأجيال ضعيف كثيراً وتحت أدنى التوقعات له ، فقد عقمت مؤسساتنا التعليمية أن تخرج جيلاً مفكرا بالدرجة الأولى واع منضبط مثقف ساع للعلم بأي طريق يحترم العلم والمؤسسة التعليمية ، ولأنّ خرج جيلٌ متعلم منها فقد عقمت المؤسسات أن تخرج جيلاً مؤهلاً للعمل وهنا مربط الفرس ... فالجامعات تفتح الأقسام العلمية بيد أنّ التعليم العام نظري بالدرجة الأولى حتى في المواد العلمية وبهذا أصبح ببغاء يحفظ وليس منطقي يحلل ويفترض ويختبر ويطبق ، فالجامعة تلقي اللائمة على التعليم العام وتتتهمه بالقصور ، والتعليم العام يلقي اللائمة على التعليم العالي الذي لم يُخرّج كفاءات حقيقية من المدرسين قادرة على تخريج أكادميين مؤهلين لمعترك الأقسام العلمية ، وفي نفس الوقت كليهما يلقيان اللائمة على الأسرة التي تخلّت عن مسؤولية أولادها فلم تنمِ فيهم القدرات ولم تحبب فيهم التفكير وتنتشلهم من دوامة التلقين والحفظ ، وفي نفس الوقت جميعهم يلقون اللائمة على الطالب الذي استكان لأنظمة التعليم العقيمة والأسرة المهملة فلم ينتفض ويدرك الواقع ويعول على ذاته فقط ويعتمد عليها ليرسم لنفسه الخطّ الأنسب لمتلطلبات وقوانين عصره ، وكلّهم مخطئ من جهة ويبقى الجيل حائراً بينهم .

كذلك في فساد الإدارات والمؤسسات وتفشي الواسطة والرشوة ، الكلّ ينتقد والكل في نفس الوقت متورط .. ! ، فالمواطن ينتقد وهو يبحث عن واسطة ويرشي إذا لزم الأمر ، والمؤسسة تنتدعي النزاهة وهي بؤرة فسادة ، والرقابة تتدعي الصرامة ، ولامن رقابة تحدّ فساد ذاتها ، فما بالك بباقي المؤسسات ويظلّ الجيل حائراً تارة يتهم الإدارات والمؤسسات وتارة يتهم المواطنين بالرضوخ لأجندة المفسدن ، ويتهم الرقابة بالضعف ، والكلّ متورط ويظل حائراً بينهم .

وظاهرة رفع الأسعار ، فمنهم من قال أن سببها جشع التجار ، والتجار قالوا أنّها ظاهرة عالمية ، والمسؤولون في وزارة التجارة تارة ينفون وجود الظاهرة ويتهمون الإعلام بالمبالغة وفي نفس وفي الوقت ينشئون مؤسسة لحماية المستهلك .. ! ، والمواطن يتهمهم أجمعين ونسي نفسه الطماعة ، فمازال يشتري منهم بهلع وكأنما العالم مقبل على مجاعة ولم يستخدم شعرة معاوية معهم وهي الحلّ الحقيقي .. ولكن لاحياة لمن تنادي ومازال الجيل حائراً .

وقس على ذلك في كلّ المناحي والأوساط في السياسة والمجتمع والفن .. إلخ ستجدون مايسرّكم لاشكّ ، أمّـا الحلّ فماهو إلا أنّ تبدأ الحلقة المفرغة بالكف عن تراشق الاتهام مثلما يتبادلون لاعبي كرة الطائرة الكرة ، لتبدأ واحدة بالحلّ ستبدأ الأخرى ، ولكن على الحال هذا الكلّ يتنصل فيظلّ قائما كلّ ماهو سيئ ، ورحم الله الفنان أحمد زكي رحمة واسعة في فيلم ضد الحكومة وهو يمثل دور المحامي مصطفى ويترافع ضد محامي الدفاع إذ قال : ... (( كلّنا فاسدون )) .

هذا ولكم خالص التحية والتقدير .

قيل ( جميع الطرق تؤدي إلى روما )

وجميع النقاط التي ذكرتها عزيزي فيفاوي
تتسارع خطاها لإتجاه واحد ولكل منها طريق خاص ومستقل بحد ذاته
إلا أنها مع الأسف تتسابق الى نهاية واحدة وهي ( الهاوية ) .

إذاً لنستبدل روما بالهاوية ولنردد ( جميع الطرق تؤدي إلى الهاوية )..
شكراً قلبنا الأبيض ..

جميل جدآ كلام ممتاز جدآ

كلام جميل جدآ يعبر عن انسان مطلع